حب سرقته الحرب
حب
سرقته الحرب
تزوجت سماح عن حب وكان يشعل قلبها بالأمل حلمت مع زوجها
بمستقبل مليء بالسلام والأمان كان داعما لها ولقضايا المرأة يفتخر بها امام الجميع
ولكن خطفت الحرب محمد تاركا إياها تواجه وحشية الحرب والحياة معا .
تكبُر زوجها بثلاث سنوات ويعملان سوياً، لم تكن سماح
تفكر في الارتباط كونها لم تجد الشخص المناسب فهي تبحث عن رجل ( نصير للمرأة ) توافقت
معه على فكرة الزواج ولكن اصطدمت برفض أهله بسبب أنها تعمل ناشطة مجتمعية وأن
عائلته محافظة، ولكن كل هذا لم يمنعهم من الذهاب قدماً نحو قرار الزواج الذي
بالفعل حصل، لم يأتِ أهل الزوج لحضور مراسم الزفاف التي كانت أجمل أيام العمر تقول
سماح: " مرت الأيام وهم تحت سقف واحد ولكن ما زالت عائلة الزوج ترفض سماح جملة
وتفصيلاً كان زوجها يذهب لزيارة أمه من وقت لآخر لكنها كانت تحرضه عليها بشكل
مستمر، كما تسرد لنا قرارهم المضي في إنجاب
طفل حتى يتخلص من اسطوانة أمه المشروخة ضد زوجته بأنها لا تنجب"
مضت الأيام بحلوها ومُرها من خلافات وتدخلات
ولكن قصه الحب التي يعيشونها كانت أكبر من أي خلاف تتحدث سماح بهذه الكلمات
والدموع تنذرف من عينيها بملامح تعبر عن كمية حب بين الزوجين لا توصف"
تُضيف
أنها بعدما أنجبت طفلتها الأولى تحايل عليها زوجها للذهاب لزيارة أمه حتى ترى
حفيدتها ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق مسبق حتى يتفادى مشاكل غير متوقعة تقول: "
مع بداية الحرب على قطاع غزه نزحنا إلى مدينة رفح كان يجتمع في البيت الذي لجأنا إليه
عدد من أقرباء زوجي، كان كريماً بشكل كبير فرغم غلاء الأسعار في ذاك الوقت وشح
المواد التموينية إلا أنه لم يكن يبخل على الموجودين في المنزل بشيء، وبعد مرور
شهر قلت له لقد بدأت مصاريف السفر التي كنا نخبئها بالنفاذ فبعدما كان الكل راضٍ
عنه وعن زوجته بدأت النقمة عليهم من جديد لأنه لم يعد يصرف كما كان في السابق، مرت
ليالي طويلة من المعاناة في هذا البيت الذي تسكنه، فمن الصعب العيش في منزل تجد
نفسك غير مرحب بك من قبل أهله فعزة النفس تغلب على أي شيء حتى قررت سماح الخروج
والذهاب عند أهلها المتواجدين في مواصي خانيونس "الأرض التي غطتها خيام
واوجاع النازحين" رغم معارضة زوجها الذهاب هناك إلا أنها بقيت مُصرة على
قرارها، غادرت وبقي زوجها في منزل أقربائه يزورها من وقت لاخر .
يوم
الثالث والعشرين من فبراير اتصلتْ به صباحاً وهي تسمع إلى الإذاعة وطلبت منه أن يأتي
لزيارتها سيكون عيد ميلاد ابنتهم غداً كانت ظروف العمل تمنعه من القدوم لزيارتها
فهو يحاول أن يجمع المال حتى يحقق حلمها في السفر كررت الاتصال به وطلبت منه أن يأتي
وهي تتكفل بكل ما يلزم لإقامه حفلة عيد الميلاد رغم ما تعيشه من خوف وتسرد بأن هذا
الاتصال كان الأخير بينهم وآخر كلماته لها كانت " أنا بحبك كثير"، هذا
اليوم كان برفقة صديقه فقُصفت إحدى
المنازل بجوارهم بينما كانا ذاهبان لشراء هدية لابنتها، ولكن أرواحهما فاضت إلى
السماء في هذه الأيام كان الاتصال صعب بسبب ضعف في شبكة الاتصال حاولت جاهدة بأن
تتصل عليه مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى وفي صباح عيد ميلاد ابنتها اتصل بها رقم
ليس ضمن قائمة جهات الاتصال ليخبرها باستشهاد زوجها انهارت قواها فالشخص الذي كان
بمثابة سند متين لها قد رحل، ذهبت سماح إلى منزل أقربائه حتى تأتي بملابس زوجها
لتكون ذكرى منه، ولكن أهله رفضوا أن يعطوها أي شيء من مقتنياته أدركت حينها أنها
ستدخل في معاناة مع أهله مرت الأيام مع قطيعة أهله لها ولابنتها وزادت هذه
المعاناة حينما طلبت من حماها ان يقوم بعمل وكالة لها بشؤون الولاية المتعلقة
بأطفالها حتى تستطيع استخدامها في المؤسسات التي تقدم مساعدات للأيتام رفض أن يذهب
معها إلى المحكمة الشرعية وهددها أنه سوف يقوم بأخذ الأولاد منها بالقوة ولن تحصل
علي أي مساعدة للأولاد وقد حاولت مراراً أن تطلبها منه، ولكن في كل مرة كانت تفشل
في الحصول عليها فكانت الحماة تعارض بشدة اعطائها إياها بحجة أنها خائفة من أن تأخذ
الأولاد وعليه لجأت إلى إدارة المخيم التي تسكن فيه مع أهلها حتى تجد حل لهذا الأمر
فهي لا تستطيع أن تستفيد من كفالة الأيتام إلا بهذه الورقة القانونية فما كان من إدارة
المخيم إلا أن تتواصل مع الفريق القانوني التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر لطرح
القضية عليهم في ظل عدم قدرة سماح في الوصول إلى العدالة بسبب الحرب فما كان من
محامي العيادة القانونية إلا أن تواصلوا معها، وتوجهوا إلى المخيم الذي تسكنه وتم اعطائها
الاستشارة القانونية المتعلقة بالولاية وأحكامها فهي ليس مطلقة بل يوجد حدود لها
تقتضي فيها أولا واخيرا مصلحة الصغير وانه في حال كان الجد متعسف في استخدام
صلاحياته كولي علي الصغير يحق للأم رفع دعوي محاسبة أموال قصر(ولي) واذا اثبت
استغلاله لمال الصغار ترفع يده عنها وفيما يخص حضانة الأم لأطفالها طمأنت المحامية
السيدة انه طالما الام حابسة نفسها عن الزواج او تزوجت بقريب للصغير لا يستطع احد
اخذ حضانة الصغار منها، وحتى تستفيد السيدة من الخدمات التي تقدمها الجمعية تم
تحويلها لمديرة الحالة حيث قامت بدمجها ضمن ورش الدعم النفسي الذي يعطيها أخصائيين
ولم يكتفِ الفريق بذلك فقام أيضاً بدمجها ضمن مشاريع التعليم القائمة لتطوير مهارات
التعليم لديها فهي ناشطة مجتمعية، وتعمل في مجال التعليم ، لكل ذلك تم دمج السيدة سماح
في المساحة الآمنة التابعة لجمعية الثقافة والفكر الحر التي تعطي عدة دورات مهنية
تجعلها قادرة على تخطي ما تمر به من معاناة، مستكملا الفريقين القانوني وإدارة الحالة
المتابعة بشكل مستمر حتى تحصل على حقها القانوني والمجتمعي .
وهكذا
عاد الامل من جديد إلى حياة سماح التي لم تستسلم رغم كل ما مرت به من خسارة وحزن
وبعد أن فقدت حب حياتها وحيدة في مواجهه صعوبات الحياة وعوائقها استطاعت أخيرا ان
تجد بعض الراحة والدعم بفضل تدخل الفرق التابعة للجمعية لم يعد طريقها مظلما كما
كان بل أصبحت تمتلك اليوم القوة والإرادة للمضي قدما تتحدى الصعاب وتعيد بناء
حياتها بكرامة وامل جديد.
الكاتب
علي أبو زايد