توازن مفقود
توازن
مفقود
تعجز
الكلمات عن وصف ما مرت به سعاد خلال حياتها، عاشت حياة قاسية منذ نعومة أظافرها؛ لتضع
كل أملها في ابنها البكر والذي
تأملت أن يكون كل سندها في هذه الحياة؛ لتخونها هذه الدنيا وتأخذه منها خلال هذه
الحرب.
لتعيش سعاد (40عاماً)
فصول من المعاناة مع والدها ووالدتها الذين يؤمنون بمقولة(هم البنات للممات)،
ليقررا تزويجها مع أول عريس يطرق باب منزلها بعمر 14عامًا، "عشت أيام صعبة مع
زوجي وعائلته، كان يضربني بشدة دخلت المستشفى أكثر من مرة بسبب الضرب، تم تغريز رأسي
أكثر من عشر مرات وكذلك تجبير يدي مرتين وقدمي مرة بعد أن كسرهم لي زوجي".
رغم كل ذلك لم تترك
زوجها، تقول: " كان كل تفكيري في أولادي، وبشكل خاص أبني أشرف، كنت أحلم أن
يكون السند الذي يخرجني من وضعي الذي عشت فيه".
"على أثر السابع
من أكتوبر خرجنا من غزة بعد تكرار الهجوم على المنطقة التي نعيش فيها نزحنا إلى عدة
أماكن آخرها كان في خيمة على شاطئ بحر دير البلح " ، تعرضن خلال هذه الفترة إلى
أبشع أنواع العنف أنا وأولادي من زوجي كان أشرف الوحيد القادر على الدفاع عنا
وتخفيف الألم والمعاناة التي نعيشها.
استشهد زوجها ومن ثم أستشهد
أشرف هذا الاستشهاد غير كل حياة سعاد، تقول: « أصابني إنهيار نفسي بعدها لم أعد
أهتم لشيء، كان لدي مشروع عمل كعك ومعمول نعتاش منه، لم أستطيع العودة للعمل وفعل
شيء لا أتذكر الطريقة، انتهي كل شيء بحياتي»، قوانين الحرب كانت قاسية عليها مثل
قوانين كل ما مرت به في حياتها.
تعرضت سعاد للتهديد
المستمر من قبل أهل زوجها بأخذ الشقة بعد فقدان زوجها، هذه الشقة شاركت في شرائها،
ليس هذا فقط بل استغل أحدهم ما تمر به ليحرمها من رؤية حفيدها، فوالد زوجة ابنها أشرف
الشهيد يحرمها من رؤية حفيدها التي كان بالنسبة لها النور وسط هذا الظلام.
كل هذه الظروف الصعبة
التي تعيشها جعلتها تبحث عن أي وسيلة لتخرجها مما هي فيه، لتصادف ورشة عمل في أحد
المخيمات وتذهب لحضورها، ومن ثم تجلس مع إحدى محاميات جمعية الثقافة والفكر الحر،
حيث يقمن المحاميات بورش توعوية من خلالها حيث يقدمون استشارات قانونية فردية.
ذهبت للمحامية وهي تجر
نفسها مثقلة بالهموم، « قابلت المحامية بعد أن أوضحت للحضور أنها جاهزة لتقديم
الاستشارات القانونية الفردية، كنت بحاجة لأعرف عن وضع عائلة زوجي وتهديدهم لي
بأخذ شقتي، كذلك رغبت في معرفة قانون المشاهدة لحفيدي، فوالدته أخذته بعد استشهاد ابني
ولا تُحضره لأشاهده "، وفق قول سعاد.
وبعد أن حصلت على
الإجابات من خلال الاستشارة القانونية الفردية، " أراحتني فقد قالت لي
المحامية أنه بعد انتهاء الحرب، وعودة المحاكم يمكن أن ترفع قضية إثبات ملكية
للشقة الخاصة في، أما مشاهدة حفيدي أستطيع تقديم طلب مشاهدة تمكنني من مشاهدة
حفيدي مرة كل أسبوع أيضا، وعند بلوغه ٣ سنوات يمكنني رفع قضية استضافة مرة كل
أسبوعين لمدة 24 ساعة وبذلك لا أُحرم من رؤية حفيدي".
لم ينتهِ هنا تدخل المؤسسة،
بل تم التوضيح للسيدة عن جميع الخدمات التي تستطيع الحصول عليها من قبل جمعية
الثقافة والفكر الحر، وبناء على ذلك تم تحويل السيدة إلى مديرة الحالة التي بدورها
قامت بتحديد احتياجاتها، حيث تلقت عدة جلسات نفسية لتخفيف الصدمة النفسية التي
تعرضت لها ومحاولة إعادة التوازن والتفكير الصحيح لها، وبعد الحصول على خدمات
متعددة القطاعات من المؤسسة حيث تعاني العديد من المشاكل النفسية والاضطرابات
والتشنجات ناتجة عن الصدمة مما جعلها تتصرف بتصرفات غير مقبولة وغير متوازنة، كل
ذلك ناتج عن استشهاد ابنها أشرف والتي كانت تضع كل آمالها فيه، حيث كان يربطها فيه
علاقة خاصة وهو الأقرب لقلبها، أضف إلى ذلك الضغوطات التي تتعرض لها بسبب عائلة
زوجها.
كما تم ترشيح اسمها في
كشوفات تلقي المساعدات النقدية؛ لتخفيف الأعباء الواقعة على كاهلها حيث أنها المعيل
الوحيد لعائلتها، وأيضا استفادت من حقيبة الكرامة التي تحتوي على الحاجيات
الأساسية والصحية للنساء، وتم دمجها ضمن مشروع المساحة الآمنة في دورة إنتاج
معجنات كونها تحب هذه المجال ويمكن أن تجد فيه مساحة لتحسين وضعها الاقتصادي.
ختاما عندما تكون
الحروب سببا في إيقاف قطاع العدالة الرسمية وعمل منابره ليفرض الانتظار على كاهل
المعنفات وأصحاب القضايا عبئا ثقيلا، ومن بينهن سعاد التي تنتظر عودة عمل المحاكم
الشرعية، ولكن يبقى الأمل ..
الكاتبة / ابتسام مهدي