نفق مظلم ونور بعيد
نفق مظلم ونور بعيد
كيف لها أن تعود لذلك النفق المظلم الذي خرجت منه بعد أن أوشكت على
الموت مراراً؟
هذا أكثر سؤال يتردد في
ذهنها دون أن تجد له إجابة " كيف لي أن أضع نفسي في هذه المأساة، وضعي القائم
حالياً أنا وأطفالي
الثلاثة في خيمة مشتركة مع أهلي ليس بالوضع الأفضل ولكن أرحم بكثير من بقائي مع زوج
تجرعت معه كل أصناف المعاناة " هكذا
وصفت تهاني ٣٠ عاماً واقعها الحالي.
تهاني متزوجة ولديها ثلاثة أبناء، وهي من ذوي الإعاقة (إعاقة بصرية جزئية)
من مخيم الشاطئ، تقول: " بدأت معاناتي منذ بداية زواجي، ذكريات مؤلمة جداً
طبعت أثرها على جسدي قبل أن تطبع في الذاكرة، فقد اكتشفت أن زوجي مُدمن ومتعاطي لأنواع عديدة من المخدرات ".
"عانيت معهُ لسنوات عديدة من الضرب والإهانة
ومكثت أغلب فترة زواجي في بيت أهلي، فقد استمرت فترة زواجنا قرابة العشرة سنوات لم
أقضِ منها في بيت زوجي إلا حوالي السنة وقد كانت سنة حافلة بكل أصناف العذاب
والضرب والشتائم، بسبب وبلا سبب حتى أنه حاول قتلي خنقاً أكثر من مرة وفي كل مرة
كنت أدفعه عني في أنفاسي الأخيرة ".
قبل حرب ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ بثلاثة أعوام لجأت تهاني لمنزل
والدها تقول: " ضربني، وقررت هذه المرة عدم العودة إليه، ففي كل مرة يتعهد
بها بعدم ضربي وينقض عهوده، وخاصة أنه يفقد وعيه عند تعاطيه المخدرات، خمس محاولات
كاد فيها أن يقتلني، ورحمة الله تنجيني من بين يديه، في أحد المرات التي ضربني
بها، كسرت يدي، تألمت منها بشدة وكان يستدعي الألم الذي أعاني منه الذهاب إلى
المستشفى إلا أنه رفض، وفي الصباح اصطحبني والده إلى المستشفى وسجل سبب الإصابة
سقوط عن الدرج ".
كان
يعمل زوج تهاني في بيع المواد الغذائية، سبب كافي بالنسبة له ليغيب عن منزله من
الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الواحدة ليلاً
" كان يطلب مني البقاء مستيقظة بالرغم من أنني أتكفل وحدي بأعباء البيت وتربية الأطفال
دون معونة من أحد، وإذا عاد بعد منتصف الليل ووجدني
نائمة يضربني بشدة، طبعاً هو
لا يكسب المال من عمله إلا القليل ويبدده على التعاطي، أما أنا وأبنائنا فقد كان يتكفل أبي في
مصاريفنا وفي جميع حاجياتنا" .
أربع
سنوات معلقة ولا قرار فصل يريح شدتها " بدأت الحرب وأنا لا أزال مصممة على
قرار الانفصال، أما هو يُصر على عودتي إلى المنزل، وبعد حرب ٧ أكتوبر بدأ يلاحقني
في كل مكان انزح اليه متعمدا التضييق علي، وبأنه أصلح من نفسه وأصبح قادر على تحمل
مسؤولياته تجاهنا، وأنه يرغب
بعودتي له، حتى
أن اهلي يقومون بالضغط علي لأعود لزوجي وذلك لشعورهم بأني عبأ إضافي عليهم ".
تقطن
تهاني في خيمة في أحد مخيمات النزوح بمدينة دير البلح ، ومن خلال مشاركة تهاني في
ورشة عمل تنفذها جمعية الثقافة والفكر الحر داخل المخيم ، توجهت إلى مركز صحة
المرأة حيث تم تحويلها هناك لمديرة الحالة وذلك لتقيم احتياجاتها، وتقديم الخدمات المناسبة
لها بعد الجلوس معها .
وبناء
على تقييم مديرة الحالة تبين أنها تحتاج لخدمات متنوعة منها الخدمات الصحية والتي
كانت عبارة عن نظارة طبية لأنها تعاني من ضعف البصر، أما عن الخدمات النفسية والتي
قدمتها لها الأخصائية النفسية هي عبارة عن مجموعة من التمارين منها كالاسترخاء
والتنفس العميق وجلسات الاسعاف النفسي الأولي التي من هدفها تخفيف الضغط النفسي
التي تمر به، وتدريبها على مهارة توكيد الذات وتنطيق المشاعر لزيادة ثقتها بنفسها،
لتقرر بشكل نهائي بعدم العودة لزوجها وعدم الإذعان لضغوطات أهلها والتي كان آخرها
ضرب أخيها لها.
وقدمت
لها محامية الجمعية الاستشارة القانونية اللازمة وكان أهمها في حال عمل المحاكم
سيتم رفع دعوى تفريق للضرر من الهجر والتعليق من قبل المركز حيث أن السيدة مهجورة أكثر
من أربع سنوات متواصلة لم يحاول خلال هذه الفترة ان يرجعها او يوفر لها مسكن شرعي،
ودعوى نفقة أولاد والمطالبة بالنفقات المتراكمة.
ونتيجة
العنف الواقع عليها من قبل أخيها، تم التنسيق والتشبيك مع المؤسسات الأخرى لتوفير
خيمة لتقطن بها وأطفالها لكي تتخلص من عنف أخيها وتستقل عن أهلها، هذا يأتي ضمن خدمات
إدارة الحالة التي قدمتها لها الجمعية، وتم تسليمها حقيبة الكرامة التي تحتوي على
مستلزمات صحية وأدوات نظافة، وبعض الملابس التي تفتقدها، وتم ترشيح اسمها للمساعدة
النقدية حتى تعيل نفسها وأطفالها.
انتقلت
تهاني من التخبط في متاهة العائلة والزوج دون تحديد مصير محدد لها إلى قانون يحمي
حقوقها وحقوق أطفالها " بعد يأسي الشديد من وجود حل لمشكلتي وجدت الحل، وبت
أنتظر عمل المحاكم للتوجه للجمعية لوضع كلمة النهاية لهذا الزواج الشكلي وهذه
المعاناة ".
الكاتبة/هيا بشبش