خيار بين الأصعبين
خيار بين الأصعبين
اتخاذ القرار خيار بين الأصعبين كقرار
الانفصال، خصوصاً للنساء اللواتي يعشن حياة زوجية شكلية في ظل غياب الزوج فإما أن تختار
البقاء نزولاً عن رغبتها تلبية للصورة المجتمعية العامة، أو أن تتخذ قراراً بالبحث
عن حياة جديدة لها ولأبنائها متحررة من قيود الزوجية الزائفة ليصبح العدوان دافعا أقوى لتحديد مصيرها.
امل - (33عام) نازحة من مدينة غزة
وهي أم لأربعة أطفال
قررت بحزم الانفصال عن زوجها بعد خمسة عشر عاماً من ارتباطها به، فقد تخلل حياتها
العديد من الأحداث التي لم تخلُ من عنف لفظي وجسدي وآخرها الإهمال بعد الدعم
والمساندة التي أولتها له مضيفا
عدوان السابع من أكتوبر حجما أكبر
للمعاناة لتعيش اليوم في خيمة برفقة أطفالها في أحد مخيمات ايواء دير البلح.
الصورة كانت
تتحدث أشعة شمس عمودية حارقة خيم متلاصقة بمساحات صغيرة لا تتجاوز بضع أمتار ترى
داخل الخيمة طاولة صغيرة عليها بعض الأواني بديلا عن المطبخ والبعض من عبوات المياه
المعبأة من مياه البلدية ودورة مياه معدة بطريقة بدائية لسد الحاجة ، تقول مشيرة
بيدها داخل الخيمة :" إن هذا هو حالي
منذ بداية العدوان ، مكثت بداية الأمر بخيمة برفقة عائلتي الأمر لم يعد يحتمل لذا قمت بصنع هذه الخيمة بمفردي، فالأعباء التي تقع
على كاهلي ليست جديدة على حياتي من معاناة إلى معاناة "
تسكت برهة لتبدأ بسرد معاناتاها قبل النزوح وتقول:" لقد أرهقنا سابقا بالديون
التي تراكمت فبات من الصعب سدادها حتى أصبحت أوامر الحبس وتفتيش المنزل أمراً لصيقاً لحياتنا
حتى فقدنا استقرارنا الأسري وشكلنا المجتمعي" تضرب كفيها منفعلة وتضيف: " لا أريد سماع طرق باب المنزل مجددا لذا فكرت في تقديم طلب تصريح له للعمل في الداخل الفلسطيني
المحتل وبالفعل نجح الأمر، وتمكنت بجهد شخصي من فعل هذا قمت ببيع ذهبي، واستدنت من
أخي لأوفر مبلغ الغرامة وبالفعل أخرجته من السجن"
بعدها التحق الزوج بصفوف العمال مبدياً التزاماً بسداد
الديون وكان ذلك على مدار سنتين تقريباً حتى سُدت بالكامل، مخصص مبلغ كمصروف للأم
والأولاد الذي تقلص تدريجياً مع الوقت.
رغم ارتياح أمل بسبب
انقضاء الديون إلا أن تَغيُب الزوج التام طيلة هذه السنوات الثلاثة بات مقلقاً
بالنسبة لها، تبريره على الغياب بأنه لا يرغب بالعودة الآن حتى يستطيع أن يجمع
مبلغاً يأمن به حياتهم ومستقبل الأولاد هذا الكلام كان مقنعاً لها؛ إلا أن إهماله
وعدم السؤال عنها أو الاطمئنان على الأولاد غير مبرر فقد كان يسأل بطريقة عابرة، وتقول: " عادة ما كنت أنا أبادر بالاتصال
والسؤال عن أحواله فكان ينهي المكالمة سريعاً متحججاً بانشغاله أو أنه مرهق ويريد
النوم لأتفاجأ أنه نشط عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة
ومتأخرة "
بدأت تتوتر العلاقة بين الزوجين حتى أنها هددته
بالانفصال كوسيلة ضغط عليه علّه يعود لغزة، ليأتي رده الصادم: " افعلي ما
بمقدورك إن استطعت " قبل أن تكمل
سردها تشير لإبنها الأكبر احضار بخاخ الصدر خاصتها كونها تعاني من أزمة صدرية وتقول: " لا يوجد امرأة تتطلع للطلاق كأول الحلول
فقد تحملتُ طيلة حياتي معه المسؤولية والإهانة والضرب بعض الأحيان، وتحملت من أجل
أولادي لذا قررت الانفصال والخلاص بدلاً من هذا الزواج الشكلي، حتى أن بعضا من
أفراد عائلتي شجعوني لأنهم يعرفون معاناتي منذ البداية ".
بعد قرارها بالانفصال جاء عدوان (السابع من أكتوبر2023)
لتنزح من مدينة غزة مطلع شهر
نوفمبر للمناطق الجنوبية
للقطاع، ليتواصل مع زوجته مُجدداً مقنعاً إياها برغبته بالعودة لقطاع غزة بعد توجهه من الداخل لأحد مدن الضفه الغربية وتقول:
" تواصل معي وأقنعني برغبته بالعودة؛ حتى يكون جنبا وسندا لنا إلا أنه يحتاج بعض المال لعمل أوراقه الثبوتية ليتمكن
من العودة، لذا قمت ببيع آخر قطعة ذهب معي وأرسلت له المال، كنت في قمة السعادة
حتى أني تراجعت عن فكرة الانفصال حينها ".
شعور السعادة لم يدم طويلاً لتكتشف تحايله عليها خلال
حديثها مع أحد أفراد عائلته ، الذي أخبرها أن زوجها ينوي السفر عن طريق
المملكة الأردنية الهاشمية مهاجرا للخارج لينزل عليها الخبر كالصاعقة ليكون قرار الانفصال بالنسبة لها هذه المرة قراراً
نهائياً لا رجعة فيه وتقول
:" دائما ما كنت أقوم بدور الأم والأب لكن الأمر بات أكثر صعوبة في ظل النزوح
وتكدس السكان فأنا أخشى على أولادي من أي أذى أو استغلال وخاصة أننا نعاني من
الغلاء وانقطاع المواد الأساسية للحياة "
أن تعيش الواقع بصعوباته خيرا من عيش وهم الانتظار وهذا
ما رسخته أمل لأطفالها وتضيف :"قمت بتهيئة أطفالي وأخبارهم أن هذه حياتنا وعلينا التأقلم على غياب
والدهم حرصا على سلامهم الداخلي وأن
نتعامل بمسؤولية أعلى تجاه بعضنا البعض رغم صغر سنهم خاصة أني اتخذت قرار
الانفصال" .
دائماً ما كانت تنتظر أمل الفرصة لحصولها على المعرفة
حول وضعها القانوني، فكثيراً ما كانت تحصل على معلومات منقوصة أو مغلوطة لتنصحها
صديقتها التوجه مباشرة لمركز صحة المرأة كونه مهتم بتقديم الخدمة للنساء لتحضر
بالفعل وتحظى بجلسة استشارة قانونية فردية تجيب من خلالها على تساؤلات كثيراً ما
كانت تشغل بالها حول الحقوق الزوجية، حضانة الأطفال في حال الانفصال، النفقة
وأخيراً التفريق وتقول: " عندما أخذت قراري كان يظن زوجي أني سأخسر حقوقي
كوني من طلبت الطلاق؛ لكني تفاجأت أن هناك دعوى قانونية تسمى تفريق للضرر من
الغياب خاصة أنه طيلة الثلاث السنوات الماضية لم يأتِ للقطاع ولم يسع لقدومنا إليه
فإنه يمكنني طلب التفريق مع الاحتفاظ بجميع حقوقي القانونية " مضيفة: "
أني أستطيع أيضاً رفع قضية نفقة من خلال المركز فور فتح المحاكم لأبوابها وإعادة
عملها " .
على الرغم من وجود مُسوغ قانوني يكفل انفصالها دون فقدان
حقوقها ورفع قضية نفقة؛ إلا أن العدوان كان عائقاً أمام رفع القضايا فلا يوجد
محاكم فاعلة في قطاع غزة، لتستكمل إدارة حالة المركز دورها من خلال أخذ موافقة
مستنيرة لجمع المعلومات حول مشكلتها الأساسية لتحصل على الخدمات والتدخلات اللازمة وبسبب معاناتها من أزمة صدرية حادة نتيجة الضغط النفسي الحاد مستعينة ببخاخ للتنفس بكفاءة منخفضة، وحسب حالتها الصحية ينقصها بخاخ عالي الكفاءة
غالي الثمن نظراً لوجود بكتيريا على الصدر ليتم تحويلها بعد التشبيك والتنسيق مع
نقطة طبية دولية وتزوديها باللازم
ولتحسين وضعها النفسي والاقتصادي يحرص المركز على دمجها
في دورات مهنية من خلال خدمات المساحة الآمنة وتحديداً في برنامج الطبخ حسب
هوايتها لفصلها عن الواقع واشعارها أنها سيدة منتجة مكونة صداقات وعلاقات جديدة
مستفيدة من تجارب الأقران ، علاوة على استفادتها من المساعدات النقدية وحقائب
الكرامة الصحية المخصصة للنساء
ختاماً، عندما يعيق العدوان عمل منابر العدالة الرسمية
متمثلة بالمحاكم ليكون الأمر قيد الانتظار مُشكلاً عبئاً أكبر على كاهل المعنفات
ذوات القضايا، متأملين أن تخلق المحاكم استثناء لاستقبال حالات العنف المبني على
النوع الاجتماعي لأنه من غير المعقول أن يتم إطالة مثل هذه القضايا الإنسانية حتى
لا يصبح حلها أكثر حدة وتعقيداً انتظاراً للمجهول.
الكاتبة /خلود ابوظاهر